و في يوم من الأيام ذهب ليعمل في أرض زراعية ممتدة لمسافات طويلة كان يمتلكها -غميق بن شفران-كان كل عام يستغل ظروف الفلاحين الذين لهم أراضي و يدفع لهم سلفا و عندما لا يسترد السلف يقاضيهم و يأخذ الأراضي.كان يبتسم غير مبال بنهاية على الأرض،لا يهمه الموت و يظن أن له الخلود و البقاء في هذه الدنيا.أخذ يعمل - مهدان - في أرضه و كان يرى التفنن في تعذيب العاملين و لا يسلم هو أيضا من هذا التعذيب،و من لا يصبر على الإهانة يقتل أو يسجن.
كان - مهدان - يتغطى بالصبر و كان نور البسمات يعلو دائما محياه،يحث أصدقاءه على الصبر و يزرع في قلوبهم ضي الآمال و بريق الأحلام.ذات يوم كان في الحقل فأتى بعض حراس -غميق بن شفران- و أخذوا يضربونهم و لكن هذه المرة مات صديقه العزيز -محكور- من شدة الضرب،صرخ -مهدان- في وجه الحراس فأرادوا التنكيل به فكانت نهايتهم سريعة و كان الموت يحيط بهم من كل جانب،قضى عليهم -مهدان- جميعا و حمل صديقه و انطلق نحو منزل هذا الأخير ليقوم بمراسم الجنازة.سمع -غميق بن شفران- بما حصل فجن جنونه و أمر بالبحث عن -مهدان-.
انتهى -مهدان- من مراسم الجنازة و دفن صديقه،و فجأة و هو يعود من المقبرة التقى العديد من الحراس يحملون سيوفا،انقضوا عليه ليعتقلوه فأخذ يضرب الرقاب و يقفز قفزة الضرغام على فريسته فصاروا موتى لا يصادقون المقبرة جثتهم قريبة منها مرمية مقطعة إلى أشلاء.ذهب -مهدان- إلى منزله و حمل كل ما يحتاج ليرحل عن بلاده هاربا من بطش-غميق بن شفران-.في طريق الرحيل أخذ يتذكر ما حصل و رغم أنه كان يدافع عن نفسه فهو الآن في غمرات عذاب الضمير لأنه شجاع و طيب و لا يحب القتل أبدا.كانت هذه الأقدار التي وضعته سجين فقره و احتياجه هي التي جعلته رهين الدفاع عن النفس و القتل.
انتقل من مكان إلى مكان حيث الدنيا تعج بكثير من الفقراء و قليل من الأغنياء و شرذمة قليلة من الأثرياء و المترفين و قليل جدا من الرحمة و إيصال الرحم و الكثير من النفاق الاجتماعي و براكين من الظلم تغرق البشر في الظلمات و معظم البشر يستنجدون بالأوهام و ما من منجد سوى الله الرحمان.
وصل -مهدان-إلى غابة موحشة فيها الصراع الطبيعي المسموح و لكنه يظهر للبشر متوحشا،فأخذ يتوغل داخلها و فجأة سمع أصواتا تنبعث من كوخ فأخذ يسرع إلى هناك و أشعل نارا في حطب و دخل يبحث عن مصدر هذه الأصوات داخل الكوخ و في إحدى جوانبه رأى سجنا يتواجد فيه رجال و نساء يتضورون عطشا و جوعا فوجد مفتاحا أمام القضبان لا يقدر على الوصول إليه أحد و فتح لهم و بعد هذا ذهب ليصطاد مع زعيمهم بعد أن أعطاه شيئا من الماء و عادا بالماء و الصيد الوفير و أنقذا الكل من العطش و الجوع.
أخذ زعيمهم يحكي له حكايتهم و قال:أنا زعيم بلاد -حمدان-نحمد الله على النعمة و نعمل للحصول على قوت يومنا بجد و اجتهاد،أراد ابني أن يتزوج بابنة -غميق بن شفران-لأنه يحبها كثيرا و لكن هذا اللعين طلب منه أن يسيطر على حكم البلاد و يصير هو الزعيم و يقتلني لكي يزوجه ابنته فعاد إلي ابني الحبيب و حكى لي الحكاية و قلبه ينفطر من الهم و الغم و يبكي على انتهاء حبه العظيم فذهبت عند -غميق بن شفران-فقلت له لم فعلت هذا؟فأمر حراسه باعتقالي و هجم هو و جنوده على بلادنا و قتلوا العديد و سجنوا الآخرين في هذا الكهف و وضع -غميق بن شفران-هذا المفتاح أمام القضبان لكي يحرق قلوبنا لأن الخلاص أمام أعيننا و نحن لا نقدر على الوصول إليه. ودع -مهدان- أرض -حمدان- و سار في أرض الله لا يعرف أين و متى سيستقر؟
كانت دائما تتبادر إلى ذهنه أسئلة عديدة:لماذا هذا الظلم يغطي هذه الأرض؟من المسؤول عن هذا؟لماذا لا يتحد الفقراء مع الأغنياء؟لماذا هذا المعدن و الورق الذي يسمى المال صار إلاها معبودا؟لماذا من أجل ثروات دنيا فانية نسفك الدماء؟ما هو الحل؟ومتى سينتهي هذا الصراع؟.توقف عن المسير و جلس فوق صخرة يتأمل
الطبيعة و فجأة رأى من بعيد جيشا عظيما يزلزل الأرض و سمع صرخات نساء و بكاء و عويلا.أخذ يقترب و هو يختبئ وراء كل صخرة و سمع رجلين من الجنود يتكلمان فقال الأول:ستكون اليوم حفلة عظيمة من أجل انتصارنا على جيش -مبدأ بن حقان-و سنعيش سعادة مع النساء اللواتي سبيناهن ستكون هذه الأيام أعظم أيام في حياتنا و سيغدق علينا -غميق بن شفران-الكثير من المال،فرد عليه الآخر:هل هو سيعطينا شيئا من عنده؟
إن ماله قد جمعه من النهب و السرقة و الغش و كل ما هو حرام؟عرف -مهدان-أن الحقير -غميق بن شفران-هو الذي يبث الرعب في كل مكان و ينزع المال و الشرف من الآخرين.و تتبع الطريق التي أتوا منها فوصل لمدخل مدينة فوجد رجلا غارقا في دمائه فسأله فرد عليه:أنا من جند -مبدأ بن حقان- كان هذا ملكا لبلادنا، و هو طيب القلب و جميل الصفات باعه الخونة -لغميق بن شفران- بعد أن كان في يوم من الأيام ينظف إسطبله و يقبل يديه و كانت عينه على ابنته.و عندما وجد حلمه بعيد المنال سرق من القصر ذهبا كثيرا بعد أن قتل حراسين و خادمة و هرب بعيدا و بهذه الثروة استطاع أن يبدأ حياة تعج بالظلم الذي لا ينتهي.
و عاد أخيرا ليسجن -مبدأ بن حقان-ويسبي ابنته و لم يكتف بهذا بل قتل العديد من الناس و سبى نساء البلاد.خرج -مهدان- من البلاد و ذهب نحو جبل يستقر فيه العديد من فقراء كل بلد اقتحمها -غميق بن شفران-و نكل بكثير من أهلها،فالتقى بهم فاتفقوا على القضاء على هذا الطاغية كان لا بد من جمع العدة فانطلقوا إلى بلاد -حمدان-و كان ابن زعيمها هو الذي يحكم لأن أباه مسجون لدى -غميق بن شفران-للمرة الثانية.ضايفهم و أخذ -مهدان-في تنظيم جيش يحارب به ذلك الطاغية.
قطع جيش مهدان طريقا طويلا للوصول إلى وطنه و قبل وصوله علم -غميق بن شفران-بهذا فجمع جيشا عظيما عدده يغطي عين الشمس.بدأت حرب ضروس بينهم حُصِدت فيها الرؤوس و أُسِيلت الدماء.كان هذا اليوم لعنة على -غميق بن شفران-انتهت الحرب لصالح -مهدان-.فأقام حكما عادلا على الطاغية-غميق بن شفران-و أنقذ ابنة الملك -مبدأ بن حقان-و أعاد للفقراء أراضيهم التي سلبت منهم و أقام عرسا صار يُحكى عنه في كل مكان،و ظل قلبه مع المساكين و الفقراء و لا يهدأ له بال إن رأى في وطنه الجائع العطشان حتى يرويه بالماء و يطعمه حتى العطش و الجوع يهجرانه و السلام.