![]() |
"حدِيدّان" و "ماما" "غولة" |
في زمن حيث الذكاء استُبدِل بالخبث و صارت القلوب عمياء و صماء كان يعيش - حديدان - و سط عائلة مكتظة بالإخوة كان والدهم كثير السفر و كانت ترافقه أمهم و كانت دائما تحذرهم من ماما غولة.كانت هذه المرأة تمتهن السحر و الشعوذة و ترعب سكان تلك البلدة التي كان يتواجد فيها - حديدان - .في يوم من الأيام سافر الأب و الأم و ظل الأبناء ينتظرون كثيرا و لم يعد الأبوان و صار يخيم على - حديدان - و عائلته حزن عظيم،عرفت ماما غولة أنهم صاروا لوحدهم فبدأت بخلق خطط لإيقاعهم في شباكها كي تسفك دمهم و تطعمه لحارس الكنز الأعظم في أرض الدماء لتحصل على هذا الكنز.
أتت إلى دارهم على شكل مدرسة,دقت الباب ففتح لها الأخ الأصغر الذي يسمى - حديدان - و كان يحب القراءة إلا أن ظروف عائلته كانت قاسية،أدخلها و كان معه كل إخوته و عندما استقرت داخل المنزل صارت تحكي لهم عن معاناتها حتى صارت مدرسة و بعدها اقترحت عليهم أن تطهو الطعام ففرحوا بهذا الاقتراح.وضعت في الطعام منوما و قدمته لهم فوق المائدة،كانت رائحة الطعام مشهية تنبعث إلى أبعد جار.جلس - حديدان - و إخوته على مائدة الغذاء و لكنه كان يحس بشيء غريب في تصرفات المدرسة المزعومة و أخذ يفكر و كان آنذاك إخوته يلتهمون الطعام التهاما,عندما أحس -حديدان- بإخوته قد ناموا أغمض عينيه لتظن أنه قد نام أيضا،كانت ساحرة قوية حملت واحدا واحدا في عربة و انطلقت إلى أرض الدماء.
بعد وقت طويل وصلت إلى تلك الأرض اللعينة لكي تهدي هذه الأرواح البريئة لحارس يعشق الدماء من أجل كنز الذي هو جماد لا ينطق و ليس له روح،فلا عجب أن هذا الفعل يأتي من ساحرة تظن أنها تملك الذكاء و لكن عقلها في الحقيقة يستوطنه الغباء.استقبلها حارس الكنز الأعظم و شكرها و أوفى بوعده فأرسلها لكي تحمل الكنز من قلعة الموت و زج -بحديدان- و إخوته في السجن ريثما ينفذ فيهم الحكم بالذبح و يشرب دمهم لكي يزيده قوة يسيطر بها على الأراضي المجاورة.
أخذ يفكر -حديدان- في طريقة ليتخلص هو و إخوته من هذه المصيبة فتوصل إلى فكرة الخلاص،عندما أتاهم حارس الكنز الأعظم و لعابه يسيل أراد أن يسفك دم الأكبر في الإخوة فسمع -حديدان- يقول له:أنت لا تعرف ما معنى التلذذ بالطعام فأنا مثلك أحب شرب الدم و لكنني عندما أريد هذا أبدأ بذبح خروف صغير و أزيد في الجرعة بذبح الخروف الكبير و بهذا أحصل على قمة اللذة و المتعة.ضحك الحارس و قال:إذا أنا سأبدأ بدمك أيها الصغير الغبي المنتحر،حمل الحارس -حديدان- ليذبحه و يشرب من دمه و عندما وصل إلى منزله قال له -حديدان-:أنا لا محالة ميت و لكني أنصحك قبل شرب الدم يجب أن تشرب الخمر لتتقبل أعماقك ما ستفعل و أنا أظن أن عقلك يحمل عبئا ثقيلا و صورا فيها براكين دماء ترجه،صدقني أيها الحارس فأنا أريد أن أشرب شيئا من الخمر قبل أن أموت لأني لم أر سوى العذاب في هذه الحياة التعيسة.
أخذ -حديدان- يسقي الحارس الخمر و كان شاطرا في الإضحاك و الحكي,لم ينتبه الحارس أن –حديدان-لم يأخذ من الخمر و لو جرعة صغيرة.في آخر الليل سقط الحارس على الأرض مخمورا،أخذ -حديدان- مفتاح السجن و أخرج إخوته و رسم لهم طريق العودة إلى المنزل لأنه لم يكن نائما أثناء الرحلة.
سار -حديدان- في الطريق المعاكس لإخوته متقفيا أثر ماما غولة لأنه قد علم من الحارس و هو مخمور بأنها ستأخذ الكنز و ستحكم و ستسيطر على بلدته كلها و ستغرقها في الظلمات،كان الطريق طويلا لأنه يمضي سائرا على رجليه،اشتدت الرياح و تحولت إلى عاصفة يرتعد منها كل النبات،كان يستمد الصبر من إيمانه بالله و إيمانه بوطنه.وصل -حديدان- لغابة الأسود التي يحكى عنها أنه إن مر بها أحد تجرده من لحمه و عظمه هذه الأسود المرعبة.لم يعبأ -حديدان- بهذه الحكاية و واصل سيره في الغابة،يسمع زئير الأسود الذي يهتز له الصخر و لكن هو يمضي كما لو أن هذا الزئير سوى نغمات ناي تتراقص في أعماقه.فجأة اجتمع أسود خلف أسد عظيم ،كان هذا الأسد أميرا طيبا من الأمراء يحب أميرة و كانا على وشك الزواج،و كان منافسه أمير شرير استعان بماما غولة لكي تسحر الأمير الطيب هو و كل عائلته و أصدقائه لكي يخلو له الجو و يفوز بقلب الأميرة التي كانت منه تشمئز عند رؤيته فكانت نهاية الأمير الطيب و من معه في هذه الغابة الموحشة.
و قد رفضت الأميرة الزواج بالأمير الشرير فزج بها في السجن.عندما رأى -حديدان- هذه الجماعة من الأسود أيقن أنه هالك لا محالة،و لكن الأسد أخذ يتكلم و أخبر -حديدان- بالحكاية و عندما انتهى من سردها قال له:عليك يا -حديدان- أن تقطع رأس ماما غولة لكي ينتهي هذا السحر اللعين و ستكون قد أنقذت بهذا الكثير من ضحايا هذه الملعونة.أكمل -حديدان- سيره حتى خرج من الجانب الآخر من الغابة فوقعت عينه على كهف فأخذ يسرع للوصول إليه فخرج عجوز يرحب به و يضايفه ليأكل الطعام،كان -حديدان- يحترم من هم أكبر منه و يعطف عليهم و يحن على الصغار و ينصح الكل،دخل إلى الكهف لأنه كان جائعا و أخذ يأكل و فجأة وقع على الأرض مغشيا عليه.
كان ذاك العجوز هو ماما غولة التي تقدر على التحول إلى كل الأشكال،حملت -حديدان- المغمى عليه على كتفها و ذهبت إلى أقرب جبل و رمته من أعلاه و ظنت أنه سيسقط على الأرض و ستنكسر عظامه فيموت و لكن شاء القدر أن يلتقطه من الهواء دب كبير.كان هذا الدب هو أب ماما غولة الذي كان دائما ينهاها عن أفعالها الشنيعة فلا تصغي له منذ صباها و كان يعاقبها لكي ترجع عن هذا الطريق المدنس و لكن هذا كان بدون جدوى.أخذ الدب -حديدان- إلى أرض الدببة،لما استيقظ هذا الأخير أصيب برعب شديد عندما رأى هذا الحشد الكبير من الدببة لكن الدب الذي أنقذه أخذ يهدئ من روعه و بدأ يحكي له حكايته مع ابنته و أنها لم تكتف بمسخه وحده بل مسخت كل العائلة و الذي جعله يشمئز من كونها ابنته هو أنها لم ترحم حتى أمها التي كانت تحبها حبا عظيما.
ودع -حديدان- الدب و عائلته و رحل عن أرض الدببة و بعد أيام التقى في طريقه بكلب يعوي و ذئب ينبح فلم يصدق ما رأى و سؤال يراود عقله:ما هذا المسخ؟،إن الطبيعة تتغير،مرة ينقض عليه الكلب و يريد افتراسه و يدافع عنه الذئب و مرة ينقض عليه الذئب و يريد افتراسه و ينقذه الكلب،و فجأة وقفا و صارا يتكلمان كالبشر مع بعضهما:فقال الكلب ماذا يحصل يا صديقي الذئب؟ نحن إمامان و كل واحد يصلي بالناس في مسجد و كنا نذكر الله سبحانه و تعالى و الآن أنا أعوي و أنت تنبح و هذا ضد طبيعة الحيوان لقد مسختنا ماما غولة اللعينة مسخا لا يوجد حتى في الطبيعة،فرد عليه -حديدان- قائلا:لا تخافا ستعودان لطبيعتكما إن شاء الله.
أكمل -حديدان- طريقه فوصل إلى جبل السحر المكسور و هنا توجد طلاسم تبطل السحر و يصاب الساحر بسحره حيث تتلاشى كل قواه السحرية.صعد -حديدان- إلى أعلى الجبل و التقى بسيد الصخور،وكان رجلا ضخما أقوى من الصخور و لكي يحصل -حديدان- على الطلاسم كان يجب عليه أن يقضي على هذا الضخم.صار الموت يتراقص أمام -حديدان- و صار يتخيل جنازته و أخذ يفكر و الخوف يفترس أعماقه فتربعت فكرة على عرش عقله الذكي.فقال لسيد الصخور:إن كنت أقوى من الصخور كما تدعي فدعني أضرب رأسك بصخرة و أرى ماذا سيحصل و عندها سأصدقك،فأخذ الضخم يضحك و قال -لحديدان-:هيا افعل ما شئت.اقترب -حديدان- من رأس الضخم عندما انحنى هذا الأخير و قابله بوجهه فقذف في عينه حفنة من التراب فلم يعد يرى شيئا فدفعه من أعلى الجبل ليسقط و تتكسر عظامه.
لما نجا -حديدان- من الموت حمل الطلاسم و عاد إلى بلدته لأنه كان يعلم أن ماما غولة سيطرت عليها.لما وصل -حديدان- وجد خبرا عظيما يذاع بين الناس هو أن ماما غولة قد حكمت على إخوته بالإعدام لأنهم متهمون بمحاولة اغتيالها و سفك دمها و إعدامهم سيكون متوجا بحضورها.عندما جلست ماما غولة لتشهد هذا المشهد الذي سيجلب لها السعادة حضر -حديدان- مدعيا أنه سيهديها هدايا من بلاد الهند و الصين،فاقترب منها و صار ينطق بتلك الطلاسم فأخذت ماما غولة ترتعد و تلاشت قواها فنزل بسيفه عل عنقها فطار رأسها في الهواء فأنقذ إخوته و كل من في البلدة من لعنة ماما غولة،استفادت البلدة من الكنز الأعظم فبعدما كان ينتشر فيها الجهل و السحر و الشعوذة صار فيها للعلم و الحكمة نور لن ينطفئ أبدا.