أحيانا قد يأتي ذلك الشيخ يستشير ممرضا أو
عامل صيدلية, فهو مريض يشعر بألم في جزء ما من جسمه, إنه يشعر بالدوار, و قل سمعه
و قد يضع لنفسه تشخيصا, فهو مريض بالرأس أو المعدة أو... فلا يتوانى ذلك
الممرض أو عامل الصيدلية مهما كان بسيطا و حديثا بالمهنة بأن يأخذ في توجيه الشيخ
المريض , فهو بالنسبة لهم قد أحسن الاختيار, فهو لو ذهب لاستشارة الطبيب لكلفه هذا
الكثير من المال للاستشارة ثم للفحوص و المختبر ثم الأدوية, و حتى لو حاول استشارة
طبيب عمومي فسيجده مشغولا بعدد المرضى الكبير, و سينتظر و قد لا يتأتى له زيارة
الطبيب, و قد لا يسمح له مرضه بالانتظار, لذلك فهو قد أحسن الاختيار حين اختار
استشارة الممرض أو عامل الصيدلية, فسيساعده أحدهم و بثمن بخس, سيشخص له المرض و
يقدم له الدواء بل قد يبالغ, هذا الشيء الذي قد يكلف الشيخ صحته أو حياته أحيانا.
السيدة خ.ز قريبة و عزيزة علينا, يحبها و يقدرها كل من عاشرها, ابتسامتها لا تبرح وجهها نشيطة رغم أنها تجاوزت الستين من العمر و مصابة بفرط التوتر الشرياني منذ مدة, كانت تتعامل مع مرضها بلطف, و بسيرة هادئة, تتعرض للمراقبة و الدواء حينا و تبتعد عنهما أحيانا لتتناول أعشابها و لتتناول الثوم كما كانت تقول :إنه يخفف من مرضها, هكذا تعايشت مع مرضها عدة سنين, فلم يكن يقلقها أو يقلق الأقارب, إنها معهم في نشاط لا تنبئ حالتها عن مرض... و في يوم حرج سار الخبر بين الأهل و الأقارب بأن حالتها قد ساءت, فأسرعوا لزيارتها و هالهم أن يجدوها فاقدة لوعيها... و حولها اندثرت عدة علب من الأدوية على غير عادتها, فلم تكن تتقبل أكثر من دواء واحد أو اثنين... قال من كان حولها من الأهل : لقد ساءت حالتها, و ارتفع ضغطها كما قالت, فاضطروا لأخذها لأقرب مستوصف حيث طبيب الحي الذي عين لها مجموعة من الأدوية, عددها 7 أو8 ما أن تناولت الحصة الأولى حتى ازدادت حالتها سوء, و دخلت في غيبوبتها في اليوم الثاني من تناول تلك الأدوية, فهل هو مرضها؟ و هل هي تلك الأدوية التي أدت بها إلى حالة السبات ثم إلى الوفاة بعد أيام؟
السيدة ف.ع كانت سليمة الصحة, تقوم بكل لوازم بيتها ثم تمر ببيوت بناتها فتقدم لهن ما يلزم من العون, و تسهر على حفدتها. لم تشعر يوما بوجود مرض لديها, إلا ما كان من بعض الاضطرابات الهضمية التي كانت تقلقها الفينة بعد الأخرى, و لكنها كانت تمر بدون علاج, و إنما بحمية غذائية لبضعة أيام.
كان بيتها بالمدينة القديمة, و كان كل من مر بالمدينة من سكان الضواحي من الأقرباء و أفراد الأسرة يمر لزيارتها أو للاستراحة قبل استئنافهم الطريق, إحداهن كانت في زيارة للطبيب و عليها أن تعاود الزيارة, فنصحت السيدة ف.ع بمصاحبتها, قالت : إن السن تتطلب مراقبة طبية , و لم يشعر الإنسان بمرض, و ألحت عليها, فصاحبتها لزيارة الطبيب, و عرضت نفسها للاستشارة, فقرر هذا منذ هذه الزيارة الأولى أنها مصابة بفرط التوتر الشرياني, و عين لها الحمية و العلاج, قالت إن الطبيب أكد لها أن الحمية و العلاج سيلازمانها لمدى الحياة...فتابعت الدواء, و لزمت الحمية لمدة أشهر...بعدها ساءت حالتها و أصيبت بشلل نصفي, فارقت الحياة بعد ذلك بمرور بضعة أشهر, و لم تكن قد فارقت حميتها و علاجها منذ زيارة الطبيب...
السيد ع.د بلغ من العمر السبعين سنة و لم يعرف يوما زيارة طبيب, فهو في صحة جيدة, كما كان يقول : يقوم بعمله بنشاط كما كان في شبابه و صغره, لا يشتكي من ألم, له شهية واضحة, و نوم هادئ, بسمته لا تفارق شفتيه, شيء واحد كان يقلقه بعض الأحيان هو هذه "الحرقة" بعد الأكل, خاصة إذا تناول طعاما به حموضة و حار, أو بالغ في تناول قهوة أو شاي, فهو قد يشعر "بحرقة" في معدته قد تطول أحيانا و لكنها لا تلزمه بزيارة طبيب أو تناول دواء ما, فهو من أولئك الذين لا يتقبلون الدواء, فيكفي أن يبتعد عن المواد التي تؤدي إلى "الحرقة" فلا يعود يشعر بها, و لكن تناول كأس من الشاي أو القهوة شيء مرغوب فيه الفينة بعد الأخرى يذكره "بحرقته" أحيانا و هكذا لم يعرف علاجا و لا حمية حتى كان ذلك اليوم المشؤوم على صحته, إذ شعر ببعض الحرارة في جسمه, و صداع بالرأس, لعلها حالة "كريب" قال أحد أبنائه, فاشتكى صاحبنا إلى أحد بائعي الأدوية, فنصحه بأنه ليس في حاجة لزيارة طبيب, و ليس هي إلا حالة "برد" كما قال الابن "كريب", فما عليه إلا أن يتناول حبات من الأسبرين صباحا و ظهرا و مساء, و سيصبح بألف خير في اليوم التالي...
استدعي الطبيب على عجل لزيارة السيد م.د الذي كان يعالج من أجل داء السكري و أمراض أخرى "عابرة", لقد فقد وعيه, و لا يعرف أحد هل لا يزال على قيد الحياة؟ ودخل الطبيب على مريضه و فحصه و قرر أنه في سبات عميق كمضاعفات مرضه, داء السكري, و عليهم نقله إلى المستشفى...أو إلى إحدى المصحات...و عند استفسار الأقرباء و من كان حوله قبل الحادثة, تبين أنه, كما قالوا, كان في صحة جيدة إذا استثنينا داء السكري الذي كان يعالج من أجله بأخذ حقنة من الأنسولين, و التي كان مسؤولا عنها ابنه الأكبر, و اليوم غاب عن البيت, فناب عنه أخوه الأصغر 8 سنوات الذي قام بحقن الوالد بالأنسولين, و بمجرد تلك الحقنة حتى غاب و لا ندري ما هو السبب؟
ملاحظة
كتب في "الطب" للدكتور عبد الكريم العمري
الدكتور عبد الكريم العمري أول طبيب بحي يعقوب المنصور بالرباط المغرب
سيدي القارئ الكريم هل سبق لك و أن تعرفت على هذه السلسلة؟سلسلة الطب في متناول الجميع.هنا سنقدم العدد 24 من هذه السلسلة للتعرف عليها,وهنا ستجد مواضيع الأعداد السابقة,لعلها تهم صحتك أو صحة عزيز عليك.
مصادر
كتاب "الشيخ و الدواء" لعمي الدكتور عبد الكريم العمري,