قال لي الموت أحبك من قلبي.
فضحكت حتى استلقيت على ظهري و قلت له كيف تعرف الحب و أنت لا ترحم أحدا.
فقال إني مصيبة ولكنني مهم للحياة لتعقل و تتوازن.
أجبت الموت باستخفاف عند معرفتك عرفت الخوف و الرعب و مع الوقت أفقدتني التوازن فكيف لي أن أصدقك و أنت تزرع الحزن و تحصد الدموع.
فرد قائلا: أيها الأحمق إنك تتحدى الله في شخصي فأنا من موازين الله على الأرض.
أخذ الخوف يتسرب إلى قلبي و هو ينظر إلي بنظرات ثاقبة و الثقة بنفسه تبدو على وجهه الذي ليس له ملامح ولكني استجمعت قواي و أجبته أخيرا: أنت لا تواجه أحدا ولست قويا و تخافك كل الكائنات لأنك لغز عظيم وسر رباني ولعبتك عدم معرفتنا و نحن أحياء بما سنحسه عندما سنكون في حضرتك أنت السبب في الخوف و الرعب و الهلع و أصل الخنوع و الخضوع للجبابرة و الظلمة يهددون بك الناس فترى الرقاب ذليلة حقيرة راضية بأسوأ مظاهر العيش.
ابتسم الموت لأول مرة في حياته و قال: أ تعلم أنك من أكثر الناس المرعوبة مني و أنت أولهم فغضبك ليس إلا خوفا مني فأنا مصيبة محتومة لا فرار منها أحببت أم كرهت فالمؤمن يحبني لأنني أعيد روحه للخالق و لا يخاف الظالم و لو أرادني له و هو لا خوف عليه و لا يحزن اتق الله و ارض بما كتبه لك.
فقلت: أنا لم أرفضك و لا أرفض أي ابتلاء و لكني بمعرفتك ضاع مني كل شيء لقد سرق أعز و أقرب الناس أحلامي منذ الطفولة حتى الآن و أيام سعادتي كانت قليلة جدا و ما أحس به لا يطاق رغم هذا فأنا مبتسم في أغلب الأحيان و مؤمن بقدري و لو تخللت حياتي بعض الأخطاء و الهفوات لأنني من البشر و يجب عليك أن تكون في مكاني كي تحس بألمي و عذابي.
دمعت عين الموت متأثرا بكلامي الذي تسرب إلى أعماقه خالقا فيها عاطفة الحنان التي كنت أعتقد أنه لم و لن يعرفها طوال حياته وقال: إنك لا تعلم شيئا عن ما أشعر به و لِمَ لا تفكر أنني رسول مبعوث للنهاية و الفناء أم مجرد لص يتربص بضحية لينزع أغلى ما تملك. و لِمَ لا تفكر أنني في بعض الأحيان تتملكني الغيرة من الحياة لأنها تنعم بالدنيا و الآخرة و أنا لي الدنيا فقط. و حتى لو كنت معصوما من الخطأ كالملائكة والله منحني دورا تحسبه مخيفا فعليك أن تكون مؤمنا كي تتعظ بما أفعله فرفضك أو موافقتك لن يغيرا شيئا فالخسارة منك و إليك.
وبعد ذلك مد الموت ذراعيه ليعانقني فتسرب الرعب إلى أعماقي و لكنه ألح قائلا لا تخف لكل أجل كتاب.
فرأيت في عينه آثار صدق رباني عجيب فتشجعت و ارتميت في حضنه مشاركا معه في البكاء.
وقال إنني عبد الله أكون النهاية بأمره ولست غدارا و ناكر الجميل كأغلب البشر وكلنا سنموت يوما فأنا مثلك لا أعلم متى ستكون نهايتي.
فعرفت أن الموت على الموت حق فانطلقت أجري و سعادة الدنيا تعانقني فقد ربحت صديقا وفيا مؤمنا و ليس خادعا ممزقا حقا للقلوب كأقرب من عرفتهم.